لمن تسمع ؟
إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً ، وأسأل الله – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك ومولاه ..
أحبتي في الله :
نحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء السابع من لقاءات سورة التربية والأخلاق (( سورة الحجرات )) .
وما زلنا بتوفيق الله وحوله مع أول آية من آيات هذه السورة الجليلة الكريمة التي يعلم الله – عز وجل – فيها المؤمنين الصادقين الأدب مع سيد المرسلين ، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات/1] . ما زلنا نطوف في بستان هذه الآية الماتع الجليل ، تكلمت عن الأدب القلبي مع حبيبنا النبي r وحديثنا اليوم بإذن الله – جل وعلا – عن الأدب العملي مع سيدنا رسول الله r .
أما الأدب العملي فقد بينه الرب العلي في آية جامعة في قوله تعالى : { َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر/7].
تعالوا بنا في إطار هذه الآية الجليلة التي تبين محوري الأدب من طاعة فيما أمر وانتهاء عما نهى عنه النبي r وزجر .
تعالوا بنا لنطوف في بستان الأدب العملي الماتع ، من خلال المحاور التالية :
أولا : أدلة القرآن
ثانياً : أدلة السنة
ثالثاً : واقع مشرق
رابعاً : واقع مؤلم
وأخيرا : سبيل النجاة
فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب اللبيب
أولاً : أدلة القرآن :
لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r طاعة له – جل وعلا – طاعة النبي r طاعة لله ، ومعصية النبي r معصية لله ، قال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [ النساء/80] تدبروا هذا التكريم من الرب العلي للحبيب النبي r: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} آية حاسمة تبين مكانة نبينا r عند ربنا فطاعتك لرسول الله r طاعة لله ومعصيتك لرسول الله r معصية لله قال – جل وعلا: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } [النساء/59] ولاحظ أن الله – جل وعلا – أمر بفعل: {وَأَطِيعُواْ} { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} فقدم طاعة الله ، وطاعة رسوله r بفعل الأمر: {وَأَطِيعُواْ} ولما أمر بطاعة ولي الأمر لم يصدر هذه الطاعة بأمر: أطيعوا وإنما قال: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} لماذا ؟ .
لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعتهم لله ورسوله r ، إنما الطاعة في المعروف ، أما الطاعة المطلقة بلا تردد ولا انحراف لا تكون إلا للرب العلي ، وللحبيب النبي r قال تعالى: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } .
بل لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r وإتباعه – تدبر – علامة على محبة العبد للرب ، أكرر : لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r وإتباعه – تدبر – علامة على محبة العبد للرب قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران/31] لقد جعل الله – جل وعلا – هذه الآية الجليلة علامة ، ليتبين من خلالها المحب الصادق من الدعي الكذاب ، فالمحب الصادق لله هو المتبع لرسول الله r والدعي الكذاب في محبته هو المخالف لأمر
رسول الله r .
للزم دربه إن وضع الحبيب r رجله اليمنى على هذا الصراط ، فضع رجلك اليمنى على أثر قدم الحبيب r ، وإن وضع رجله اليسرى فضع قدمك اليسرى على أثر الحبيب r ، والزم الغرز ، واتبع الطريق ، واسلك الدرب ، ولا تنحرف يمنة ولا يسرة ، لترى حتماً في آخر هذا الطريق ، لترى الحبيب المصطفى r ينتظرك على الحوض ، فإن شربت من هذا الحوض شربة لن تظمأ بعدها أبدا ، حتى تتمتع بالنظر إلى وجه الله في الجنة فالزم غرزه .
فالمؤمن شعاره السمع والطاعة ، بلا تردد ولا حذلقة ولا فذلكة ولا انحراف ، ولا جدل والمنافق شعاره السمع والإعراض ، السمع والصد السمع والانحراف السمع والبعد عن هدي رسول الله ، فأعرض نفسك على الآيتين هل نحن من المؤمنين الصادقين هل نحن ممن ردد مع السابقين الأولين قولتهم الخالدة {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة/285] أم أننا ممن قال : سمعنا وعصت قلوبنا ، وعصت جوارحنا ربها ونبينا r . اصدق اصدق أيها المسلم ، فما أيسر الادعاء ، وما أرخص التنظير ، وما أسهل الكلمات اعرض نفسك على أوامر رسول الله r ونواهيه لتتبين كيف حالك ، هل أنت صادق أم أنت مملوء بالنفاق ، وأنت لا تدري لا أريد أن أطيل النفس مع أدلة القرآن وإلا فوالله إنها لكثيرة .
ثانياً : أدلة السنة : روى البخاري وغيره من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله ))(1) .
تدبر هذا اللفظ النبوي البليغ: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله)) وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أيضاً أنه r قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة )) .. ما شاء الله اللهم لك الحمد .. (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )) يعني : إلا من رفض أن يدخل الجنة – قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟ .. من يرفض أن يدخل الجنة من أمتك – فقال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))(2) .
قالوا: أولوها له يفقهها – يعني : فسروا له هذا المثل ، ليفقهه ليفهمه – فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، قالوا: الدار الجنة، والداعي محمد – فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصى محمداً فقد عصى الله – ومحمد فرق بين الناس – أي فرق بين المؤمنين والكافرين والمنافقين – فمن آمن به وأطاعه فهو المؤمن الذي يدخل الدار ويأكل من المأدبة أي يدخل الجنة ويستمتع فيها بنعيم الله ، والكافر أو المنافق هو الذي عصى محمداً r وهو الذي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة([1]) أي لن يدخل الجنة ولن يستمتع فيها بنعيم الله – جل وعلا .
أكتفي بهذا القدر أيضا من أدلة السنة وإلا فوالله إنها لكثيرة وجليلة .
ثالثاً : واقع مشرق :
هل تحولت هذه الأدلة القرآنية والنبوية في حياة جيل من أجيال البشر إلى منهج حياة وإلى واقع عملي ، والجواب : نعم ! إنه الجيل القرآني الفريد ، إنه جيل الصحابة ، إنه الجيل الذي رباه المصطفى r وكفى ، إنه الجيل الذي رباه المصطفى r وكفى ،
جيل الصحابة .
الصحابة الذين حولوا كل ما استمعتم إليه في حياتهم ، إلى واقع عملي ، إلى منهج حياة ، كانوا يستمعون إلى الأمر الرباني ، والأمر النبوي ، فترتجف لهذا الأمر قلوبهم ، وتتحرك في التو واللحظة ، لتنفيذ الأمر – جوارحهم ، وتترجم في التو واللحظة هذا الأمر أعمالهم بلا تردد ولا انحراف إذا أمر الله ائتمروا إذا أمر رسول اله r ائتمروا ، إذا نهى انتهوا ، إذا حد لهم وقفوا عند الحد بصورة ورب الكعبة يكاد العقل أن يطيش أمامها كلما راجعت كتب السنة ، وكتب السيرة وكتب التاريخ ، يقف الإنسان مدهوشا أمام هذه الطاعة الجليلة العظيمة الفارهة .
تدبروا بعض الأمثلة على وجه السرعة ...
المرة الأولى كان النبي يشفع ، المرة الثانية وجدت نفسها أنها أما طاعة ومعصية فقالت : قبلت يا رسول الله لن أعصي الله ورسوله ، أقبل يا رسول الله ، إنه السمع ، إنها الطاعة ، إنه شعار المؤمنين ، واقع مشرق .
واضطر آسفا أن أهبط بكم هبوطا اضطراريا من هذا الأفق السامي إلى هذا الدرك السحيق في عنصرنا الرابع ، أعرج على هذا بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك ..