تلاوة القرآن في رمضان
أيها الأخوة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : حديثي إليكم اليوم عن تلاوة القرآن في رمضان وكيف لا وشهر رمضان هو شهر القرآن قال الله عز وجل { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } الآية ، وقال تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر } أي أنزلنا القرآن في هذه الليلة والمراد ابتداء نزوله حيث إن للقرآن تنزيلان كما قال ابن عباس : التنزل الأول جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وهذا كان في ليلة القدر ، والتنزل الثاني : نزوله مفرقاً منجماً في ثلاث وعشرين سنة على قلب الرسول r حسب الوقائع والأحداث ، فالشهر شهر القرآن ولذا كان جبريل يعارض الرسول r بالقرآن في رمضان وكان يعارضه كل عام مرة فلما كان العام الذي توفى فيه عارضه جبريل مرتين ، في الصحيحين عن ابن عباس قال : كان النبي r أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن " ، فدل هذا الحديث على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان والاجتماع على ذلك وعرض القرآن على من هو أحفظ له ، وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بين النبي r وجبريل كانت ليلاً وهذا يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً فإن الليل تنقطع فيه الشواغل ويجتمع فيه الهم ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطاً وأقوم قيلا } وشهر رمضان له خصوصية القرآن كما قال تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } وقد كان النبي r يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان قال : فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل ، فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة . خرجه الإمام أحمد وخرجه النسائي وعنده
أنه : ما صلى إلا أربع ركعات . وكان عمر قد أمر أبي بن كعب وتميم الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر ، وفي رواية : أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها . وروى أن عمر جمع ثلاثة قراء فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ بالناس ثلاثين وأوسطهم بخمس وعشرين وأبطأهم بعشرين ، ثم كان في زمن التابعين يقرأون بالبقرة في قيام رمضان في ثمان ركعات فإن قرأ بها في اثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف ، وقد روى عن أبي ذر أن النبي r قام بهم ليلة ثلاثة وعشرين إلى ثلث الليل وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل فقالوا له : لو نفلتنا بقية ليلتنا ؟ فقال r : " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته " خرجه أهل السنن وحسنه الترمذي ، وهذا يدل على أن قيام ثلث الليل ونصفه يكتب به قيام ليلة لكن مع الإمام ، وكان الإمام أحمد يأخذ بهذا الحديث ويصلي مع الإمام حتى ينصرف ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام .
وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال وبعضهم في كل سبع منهم قتادة وبعضهم في كل عشر منهم أبو رجاء العطاردي وبعضهم في كل ليلة وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً وفي رمضان في كل ثلاث وفي العشر الأواخر كل ليلة ، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة وعن أبي حنيفة نحوه ، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال : إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام . قال ابن عبدالحكم : كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف . قال عبدالرزاق : كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن . وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان وهو قول أحمد واسحاق وغيرهما من الأئمة ، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره .
عن عبدالله بن عمرو عن النبي r قال : " الصيام والقيام يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشراب بالنهار ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان " . وخرج الإمام أحمد من حديث بريدة مرفوعاً : " إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول : هل تعرفني ، أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وكل تاجر من وراء تجارته فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ثم يقال له : اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذّاً كان أو ترتيلاً " .