التقوى في رمضان أيها الأخوة الأعزاء : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم المبارك ( نفحات رمضانية ) ، وموضوع حديثي اليوم هو عن التقوى في رمضان .
أيها الأخوة : من أجل وأعظم الحكم التي من أجلها شرع الصيام تربية تقوى الله عز وجل في النفوس ، قال عز من قائل { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } وقال r : " كل عمل ابن آدم له يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، قال الله عز وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي " أي خوفنا مني ورغبة فيما عندي .
مالذي يمنع الإنسان من تناول الطعام والشراب أثناء الصيام خفية في مكان لا يطلع عليه أحد ولا يراه فيه إنسان ؟ مالذي يجعل الإنسان يغض بصره عن الحرام ويصون سمعه عن الحرام ويحفظ لسانه عن الحرام أثناء الصيام ؟ مالذي يجعل بعض الناس لا يفطر حتى لو كان مريضاُ أو على سفر ؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة أيها الأخوة هو جواب واحد : إنه خوف الله وتقوى الله ، التقوى التى تجعل بين العبد وبين عذاب الله وقاية ، بين العبد وبين سخط الله ستاراً ، بين العبد وغضب الله حجاباً يحجبه ويحجزه عن النار .
التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ، التقوى ترك الذنوب كلها صغيرها وكبيرها :
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقــى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصــــى
وفي الحديث عنه r : "إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه" والتقوى وصية الله عز وجل للأولين والآخرين { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } .
ومن أخص خصائص الصوم التدريب على الإخلاص والتعويد على المراقبة والبعد عن الرياء ، فهو في صيامه لا يبتغي إلا وجه الله ولا يراقب إلا الله ولا يخش إلا الله ولا يخاف إلا الله ، فمن ترك الطعام والشراب وهما حلال خوفاً من الله فإنه من باب أولى سيترك ما حرم الله من الشهوات المحرمة ، ولذا جاء في الحديث : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " فصومه تصديق واحتساب للأجر والثواب من الله .
فالصوم ينمي في النفوس رعاية التقوى والأمانة والإخلاص في العمل ، وأن لا يراعي فيه غير وجه الله ، وهذه فضيلة عظمى تقضي على رذائل المداهنة والرياء والنفاق ، وتعليل اختصاص الصوم وجزائه بما ذكر في الحديث القدسي فيه كلام نفيس للعلماء ومن ذلك :
1. أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره .
2. أن الصوم لا يظهر من ابن آدم بفعله إنما هو شئ في القلب ، وذلك أن الأعمال لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم فإنه بالنية التي تخفى عن الناس .
3. جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من شائبة بخلاف الصوم .
4. أعمال بني آدم لما كان يمكن دخول الرياء فيها أضيفت إليهم ، بخلاف الصوم فإن الممسك شبعاً مثل حال الممسك تقرباً أي في الصورة الظاهرة لذا أضافه الله إليه .
5. دخول الرياء في الصوم لا يكون إلا من جهة الإخبار بأن يقول للناس : إني صائم ، بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها .
6. لأن الصوم لا يدخله الرياء لخفائه ولأن الجوع والعطش لا يتقرب بهما إلى أحد من ملوك الأرض ولا يتقرب بهما إلى الأصنام .
فالصوم سر بين العبد وبين الله تعالى يفعله خالصاً ويعامله به طالباً لرضاه ، فهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئاً وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من اجل معبوده ، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته .
وما أعظم الإشارة القرآنية البليغة التي أوجز فيها المولى سبحانه وتعالى خلاصة آثار الصوم ومنتهى غايته وحكمته في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } .
والصوم يعد نفس الصائم لتقوى الله بترك الشهوات الطبيعية الميسورة التناول عليه والعزيزة إليه بحيث لو لا تقوى الله وحسن مراقبته لما تركها ، ولو كان تركها بأنفس الأثمان ولكن تقوى الله جعلته يعي أمانة الله في حال خفائه عن الناس واختلائه بنفسه ، وأن الصائم يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلواته ، وقد حرم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة ، فأطاع ربه وامتثل أمره واجتنب نهيه ، خوفاً من عقابه ورغبة في ثوابه .
ولعمري إن هذا المعنى مما تنازع فيه النفس ويوسوس بضده الشيطان وتدعو إليه بهارج الدنيا وشهواتها ، ويغري به أهل الأهواء من شياطين الإنس ومع ذلك تنتصر - أخي الصائم بصيامك ، وترفع راية إيمانك ، وتقدم دليل توحيدك إذ أن ( من علامات الإيمان أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذ علم أن الله يكرهه فتصير لذته فيما يرضي مولاه وإن كان مخالفاً لهواه ، ويكون ألمه فيما يكرهه مولاه وإن كان موافقاً لهواه ، وهذا من شأنه أن يورث خشية الله وينمي ملكة المراقبة ويوقظ الضمير .
...............................