يهل علينا هلال شهر رمضان الفضيل لهذا العام في عز شهر أوت، الذي يعتصر أيامه الأخيرة، قبل أن يودعنا بعد أيام قليلة، وإن كان شهر رمضان لهذه السنة قد تزامن وأواخر شهر أوت فإننا سنستقبله- إنشاء الله تعالى- خلال السنوات القليلة القادمة في عز الصيف، ولعل الكثيرين متخوِّفون من مشقة الصيام في الحرارة الشديدة التي شكلت منذ بداية فصل الصيف، كابوسا حقيقيا للجزائريين خصوصا وأنها سجلت مستويات قياسية وبلغت أعلى درجاتها خلال الأسابيع الماضية، ما جعل الكثيرين يتساءلون وبشدة عن أجواء رمضان·
ولعل القلق والتخوف الذي صاحب تزامن الشهر الكريم وفصل الصيف، قد كان من نصيب الأجيال الجديدة التي لم تعتد الصيام في الصيف من قبل، وقد أفرز هذا التخوف جملة من المظاهر الغريبة والطريفة في نفس الوقت، كاتجاه معظم الموظفين إلى التسابق نحو الظفر بعطلهم السنوية في هذا الشهر العظيم، للتخلص من مشقة الصيام والعمل، فيما فضَّل بعضهم أخذ عطل مرضية متقطعة خلال الشهر المعظم، إضافة إلى الإقبال المرتفع وغير الطبيعي على المكيِّفات الهوائية التي شهدت موجة تسويق واسعة لم تعرفها من قبل من طرف جميع الفئات الاجتماعية على حد سواء، البسيطة والميسورة والغنية، إذ لم يعد حكرا على الأغنياء فقط، بل اتجه حتى قاطنو الأحياء الفوضوية إلى اقتنائها استجارة بها من رمضاء أيام الصيف، وتخفيفا من معاناة الصيام في هذه الأيام الحارة·
قلق وتخوفات
وأبدى الكثير من المواطنين - والشباب منهم تحديدا- الذين تتراوح أعمارهم ما بين العشرينيات والثلاثينيات تخوفهم من الصيام في فصل الصيف، فهم لم يسبق لهم وأن جرَّبوا ذلك من قبل أبدا، إضافة إلى أن صيف هاته السنة بدا بالنسبة للبعض منهم شديد الحرارة، وفي هذا الصدد تقول إحدى الشابات 27 سنة إنها تخوَّفت قليلا من شهر رمضان الذي جاءنا هذه السنة في فصل الصيف، قائلة إن جل ما كان يشغل بالها خلال شهري جوان وجويلية هو أجواء الصيام في شهر أوت وتحديدا في الأيام الأخيرة منه، التي من المتعارف عليه شعبيا أنها تكون آخر أيام فصل الصيف بالتالي فكما يقول المثل الشعبي الجزائري أن الحرارة تكون “تعتصر” نفسها، وبالتالي فإن الأيام الأخيرة غالبا ما تكون شديدة الحر إلا أن الأجواء المعتدلة التي تميَّزت بها الأيام الأخيرة من شهر أوت خفَّفت نوعا ما التخوف الكبير الذي صاحب الجزائريين منذ بداية فصل الصيف سائلة الله عز وجل أن يخفِّفه علينا وينعم علينا بصيامه وقيامه، إضافة إلى أنه سيكون متميزا هذه السنة لطول اليوم واستمتاع أفراد الأسرة بالسهرات الرمضانية الليلية التي قالت إنها ستكون بطعم آخر دون شك، هذا بالإضافة إلى خروج العائلات إلى شواطئ البحر وإلى الأسواق والمراكز التجارية وغيرها من المرافق الأخرى التي ستفتح أبوابها حتما أمام العائلات مادام الجو صيفيا وملائما جدا·
أما شابة أخرى في ال26 من العمر فقالت إنها ليست متخوِّفة من الصيام في فصل الصيف بحد ذاته وإنما من المظاهر التي من الممكن أن تصاحب شهر رمضان الكريم خاصة السلبية منها وعلى رأسها انقطاع المياه أو ارتفاع حدة الاعتداءات والمشاكل مع وسائل النقل والاكتظاظ الشديد وما إلى ذلك، خاصة وأن اليوم سيكون طويلا وبالتالي فإن بقاء الشبان خارجا سيكون أطول·
رمضان في الصيف طيلة الإحدى عشرة سنة القادمة
وتجدر الإشارة إلى أنه مع بداية السنة الماضية (2008) بدأت دورة رمضان الصيفية، وسيشهد شهر رمضان الدخول بموسم الصيف الفعلي الحار، وسيستمر على هذه الحالة إلى مدة إحدى عشرة سنة تقريباً، ويرجع ذلك إلى أن الشهور الهجرية تدور على فصول السنة الشمسية في كل 33 سنة قمرية في حركة تقهقرية، إذ أن السنة الهجرية أقصر من السنة الميلادية التي تعتمد على دورة الأرض حول الشمس ب11 يوماً تقريباً، وبناء على ذلك فإن الشهر الهجري يستقر في حيز الشهر الميلادي لمدة ثلاث سنوات تقريباً فالسنة القمرية تتكون من 354 يوماً تقريباً والسنة الميلادية 365 يوماً تقريباً فيكون الفارق بينهما 11 يوماً، وهذا الفرق يؤدي أحياناً إلى أن يحتضن العام الميلادي ثلاث سنوات هجرية كما حصل في هذه السنة الميلادية الحالية 2008م فقد احتوت في جوفها ثلاث سنوات هجرية وهي سنة 1428ه وسنة 1429ه وسنة 1430ه فكل 32 سنة شمسية تساوي 33 سنة قمرية، ولذلك فإن هذا الوضع يتكرر ثلاث مرات كل 100 سنة·
وقالت بعض الدراسات الفلكية العربية إن رمضان عام 1434ه هو الأشد حرارة لدورة رمضان الحالية على فصول السنة الشمسية وبعد هذه السنة تبدأ شدة الحرارة بالانكسار عن شهر رمضان حتى عام 1440ه لبداية قربه من فصل الربيع وفي عام 1441 سيخلع شهر رمضان جلباب الصيف ويرتدي لباس الربيع المعتدل، فرمضان يطوف على فصول السنة الحارة والباردة والمعتدلة ويستقر في كل فصل إحدى عشرة سنة تقريباً والمجموع 33 سنة قمرية ثم تبدأ الدورة سيرتها الأولى·